وسائل الإعلام في الجزائر
تقع الجزائر في شمال غرب القارة الافريقية تحيط بها 6 دول وهي: المغرب، موريتانيا من جهة الغرب، والمالي والنيجر جنوبا، وليبيا وتونس شرقا. ويحدّها من الشمال البحر الأبيض المتوسط على امتداد 1644 كلم. وتحتل المرتبة الأولى افريقيا وعربيا ومتوسطيا، والعاشرة عالميا بمساحة تبلغ 2381741 كلم2.
يقطن بالجزائر 42.2 مليون نسمة في 1/1/ 2018 يسكن 87 % منهم في المنطقة الشمالية التي لا تزيد مساحتها عن 11% من التراب الوطني لخصوبة أرضها واعتدال مناخها. ويعيش 13% منهم فقط في المناطق الصحراوية التي تبلغ مساحتها 89 % من التراب الجزائري. وهذا التوزيع السكاني طرح صعوبات جمة لتوصيل الصحف إلى سكان الجنوب لتغطية التراب الوطني في مجال البّثّ الإذاعي والتلفزيوني، ومدّ شبكة الانترنت إلى كل ولايات الجزائر.
تتسم الجزائر بطابعها الحضري. وأكثر من نصف شبابها (54 % ) لا يتجاوز سنهم 30 عاما. شباب متعلم نتيجة ارتفاع نسبة التمدرس التي بلغت 98.5 % في 2018، ومنفتح على العالم بفضل متابعته للقنوات التلفزيونية الأجنبية الناطقة باللغتين العربية والفرنسيّة، واستخدامه المتزايد لشبكة الانترنت، حيث تشير الإحصائيات[1] إلى أن عدد مستخدميها من الجزائريين بلغ 23 ميلونا في 2019. وأكثر من نصف الجزائريين ( 22 مليون) يستخدمون موقع الشبكات الاجتماعية الاشهر في الجزائر: الفيسبوك.
تعدّ اللغة العربيّة- لغة أكبر عدد من الجزائريين- واللغة الأمازيغيّة، اللغتين الوطنيتين الرسميتين. بينما تعتبر الفرنسية – لغة المستعمر- لغة المال والاقتصاد والتعليم في الفروع العلمية الجامعية. وتعدّ الجزائر من الدول التي تغلبت على مشكل الأمية، إذ تراجعت فيها لتصل إلى 9.44 .% وأغلبية الجزائريين مسلمين.
يدفع الموقع الاستراتيجي للجزائر إلى الاعتقاد بأن الجغرافيا تصنع التاريخ. وتاريخ الجزائر يعود إلى ألاف السنين التي تشكلت فيها مملكة نوميديا قبل خضوعها جزئيا لحكم الفينيقيين ، ثم الرومان، ثم الوندال والبزنطينين. وشهدت دخول الاسلام إلى أراضيها في القرن السابع وعلى إثره تم تعريبها جزئيا. وخضعت “للحماية” التركية من 1615 إلى 1830؛ تاريخ الغزو الفرنسي للجزائر.
إنّ مقاومة الشعب الجزائري للاستعمار الفرنسي بمختلف الأشكال: شعبية ( 1830-1871) و سياسيّة وثقافيّة ( 1900-1954)، وحرب تحريرية شاملة ( نوفمبر 1954 – جويلية 1962) والإرث الاستعماري الثقيل في الجزائر أثرا تأثيرا واضحا على النظام السياسي الجزائري وعلى منظومته الإعلامية.
النظام السياسي الجزائري:
انتهى الخلاف بين قادة الثورة بانقلاب قيادة أركان الجيش على الحكومة المؤقتة واستيلائه بالقوة على السلطة في صيف 1962. وتجدّد انقلاب القيادة ذاتها على الحكومة في 1965. لذا تؤكد جلّ الأدبيات السياسية أن الجيش الجزائري هو صاحب السلطة الفعليّة في الجزائر: يعيّن الرؤوساء ويبعدهم عن الحكم في ظل نظام سياسي لا يفصل بين السلطات. لقد ظلّت السلطة التنفيذية تسيطر على السلطتين التشريعية والقضائية منذ إجهاض محاولة المجموعة الوطنية لصياغة أول دستور جزائري في 1963.
اختارت الجزائر منذ استقلالها النهج الاشتراكي فتبنت نظام الحزب الواحد. وأممت الشركات التي تركها الاستعمار الفرنسي ومؤسسات القطاع الخاص، وشرعت في تطبيق التسيير الذاتي في المزارع الحكوميّة ، ووزعت الأراضي على الفلاحين في إطار الثورة الزراعيّة.
يعتمد الاقتصاد الجزائري على عائدات النفط بنسبة تصل إلى 97%، ومع تراجع سعره بدءًا من 1986 إلى أقل من 15 دولار للبرميل انفجر الشارع احتجاجا على سياسة التقشف المتخذة في سلسلة من المظاهرات كانت أبرزها يوم 5/10/1988. وأخمدت بعنف. واضطرت السلطة، على إثرها، إلى إصدار دستور جديد في 1989 ذي سمة ليبرالية. يقرّ بالحق في الملكية الخاصة، ويعترف بحرية المعتقد والتعبير والصحافة ويقرّ بحرية إنشاء الأحزاب السّياسيّة. وبموجبه رُخص للأحزاب السّياسيّة بالنشاط فبلغت حوالي 60 حزبا. وتأسست الصحف الخاصة. لكن
الانتقال من الأحادية إلى التعدّدية السّياسيّة أخفق نتيجة الإصرار على رفض فكرة التناوب على السلطة:
” لقد سعت السلطة الحاكمة إلى تجدّيد ذاتها من خلال إقامة تعدّدية سياسيّة “مراقبة” تسمح لجبهة التحرير الوطني بتبوء مكانة مهيمنة على القوى السياسية المتنافسة ففشلت. فالانتخابات التشريعية التي جرت في 1991 أدت إلى فوز حزب مهيمن أخر: الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي هدّدت النظام السياسي ورجاله. وأخافت الدول الغربيّة.”[2]
ألْغِي المسار الانتخابي وعُيّن مجلس أعلى للدولة للقيام بمهام رئيس الجمهورية بعد “استقالته”. وحُلَ البرلمان وعُوِض بمجلس “استشاري” ثم انتقالي يتشكل من أعضاء مُعَيَّنِين. وأعلنت حالة الطوارئ في 9/02/1992. وعُلِقت حرية الصحافة التي لا يمكن فصلها عن الحريات العامة وعن حقوق الإنسان، خاصة بعد إنشاء محاكم خاصة لمحاربة الإرهاب، وصدور مرسوم 14/06/2014 لمديري الصحف يُبيّن لهم طرق معالجة الأخبار الأمنيّة. هكذا سقطت الجزائر في دوامة العنف الذي راح ضحيته آلاف الجزائريين، منهم 103 صحافيا!
لقد أعفت هذه الدوامة للسلطات الجزائرية من خوض معركة ضد الاحتجاج الشعبي على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في أبريل 1994 الخاص بجدولة ديونها والذي انجر عنه تصفية مؤسسات القطاع العام وتسريح آلاف العمال من العمل. لقد بلغت قيمة خدمات هذه الديون عائدات صادرات الجزائر!
إن العودة إلى تنظيم الانتخابات في الجزائر بدءا من 1995 لم تؤد إلى تغيير في جوهر النظام السياسي وآليات عمله. ولم تمكنه من تحقيق شرعية شعبية. فازدياد حجم إنتاج النفط ، وارتفاع سعره ليبلغ 112 دولار للبرميل في 2011، سمحا للسلطة بشراء السلم الاجتماعي: توزيع آلاف السكنات الاجتماعية، ورفع الرواتب والمعاشات، ومنح قروض للشباب. ومكناها من توزيع الريع النفطي على أساس المحسوبية والروابط العائلية والجهوية فشكلت شريحة اجتماعية من “رجال المال والأعمال ” التي تحكمت في مفاصل الدولة. وأصبحت الشريك الفاعل في صناعة القرار الاقتصادي والسياسي والإعلامي.
يمكن أن نستخلص مما سبق مع الأستاذ عمار بالحمير أن الممارسة الديمقراطية في الجزائر تتراجع بارتفاع الريع. فالتعددية السياسية في 1989 كانت نتيجة انهيار سعر النفط في 1986. والحوار الذي واكب المصادقة على دستور 1996، الذي قلص العهدة الرئاسية واستكمل بناء المؤسسات التشريعيّة حدث عندما كانت خزينة الدولة شبه فارغة. والانفتاح الديمقراطي بعد 22 /2/2019 حدث على اثر تراجع سعر النفط واحتياط الصرف إلى 72.6 مليار دولار في أبريل 2019 بعد أن بلغ 178 مليار دولار في 2014!
الإطار التشريعي:
صدر أول قانون للإعلام في 1982. فحاء منسجما مع التوجه الاشتراكي الذي انتهجته الجزائر. ورسخ احتكار الدولة لوسائل الإعلام. ومنح سلطة توجيهها للقيادة السياسية ممثلة في وزير الإعلام والثقافة، والمسؤول المكلف بالإعلام في الحزب الواحد. وجعل من مديري وسائل الإعلام مجرد أداة تنفيذية لتوجيهاتها. واعتبر الصحافي المحترف مناضلا “يمارس مهنته بطريقة مسؤولة وملتزمة من أجل تجسيد أهداف الثورة كما حددتها النصوص الرسمية لجبهة التحرير الوطني”.
وكرّس هذا القانون الدور التجنيدي وحتّى الدعائي الذي تقوم به وسائل الإعلام المختلفة انطلاقا من الفكر الشعبوي الذي يطالب وسائل الإعلام بالحديث عن الشعب والمجتمع كما يتصورهما الخطاب الرسمي وليس في حالتهما الواقعية والملموسة.
رغم وصف الصحافيين لقانون الإعلام الصادر في 1990 بقانون العقوبات المكرر إلا أنه سعى إلى إحداث قطيعة مع طرق إدارة قطاع الإعلام التي سادت طيلة 28 سنة. إذ فتح المجال للتعدّدية السّياسيّة واضعا حدا لاحتكار الدولة لوسائل الإعلام. فأكد في مادته الرابعة على حق الأحزاب السياسية والأشخاص الطبيعيين والمعنويين الخاضعين للقانون الجزائري في إصدار صحف ومجلات وامتلاك أجهزة إعلامية.
وأخضع نشاط القنوت التلفزيونية والمحطات الإذاعية، مهما كان وضعها القانوني، إلى علاقة تعاقدية مع السلطات العمومية عبر دفتر الأعباء أو الشروط. وأوضح بأن المؤسسات الإعلامية التابعة لقطاع العام لا تعني بتاتا أنها حكومية. ونص في مادته العاشرة على ضمان المساواة في التعبير عن تيارات الرأي والفكر في المجتمع.
واكب صدور هذا القانون إلغاء وزارة الإعلام فحوّل جزءًا من صلاحيتها المتعلقة بالرقابة إلى المجلس الأعلى للإعلام الذي قام بدور استشاري أكثر منه دور الضابط للممارسة الإعلامية. لكن بعد دخول حالة الطوارئ حيز التنفيذ حُلّ هذا المجلس في 1993.
صدر قانون الإعلام في 2012، وقانون السمعي-البصري في 2014، أي بعد أحداث ” الربيع العربي” وتزايد المخاوف من امتداده إلى الجزائر. فأكد على المبادئ العامة لحرية التعبير والتعددية الإعلامية لكنه لم يشر إلى لجان التحرير التي اعتبرها القانون السابق أداة لتحقيق الخدمة العمومية في المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة. وضيق الخناق على عملية إنشاء القنوات التلفزيونية الخاصة إذ حصرها في القنوات المتخصصة. وأفرغ هيئة ضبط السمعي-البصري من دورها المُعَدِل لبث البرامج السمعية- البصرية. فاكتفت بتوجيه إنذار شفوي في بعض المرات للقنوات التلفزيونية التي تتمادى في اختراق أخلاقيات المهنة!
نص قانون الإعلام الصادر في 2012 على إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. وأوكل لها دورا رقابيا أكثر من ضبط النشاط الصحفي. ومرت خمس سنوات دون أن ترى هذه الهيئة النور!
يعتبر البعض أن الجانب الإيجابي في قانون الإعلام المذكور هو التخلي سجن الصحافيين جراء ما يكتبون والاكتفاء بتغريمهم ماليا فقط. بالفعل ” إن الصحافي لا يعاقب على مختلف الجنح التي يرتكبها ، بما فيها القذف، والتشهير، وإهانة الغير بموجب هذا القانون الإعلام بيد أن قانون العقوبات الذي عُدِل في 2001 يجيز متابعة الصحافيين بالسجن على ارتكابهم الجنح المذكوره. ورغم أن مراجعة قانون الإجراءات الجنائية في جويلية 2015 جعلت الحبس المؤقت إجراءً استثنائيّا إلا أنه لم يستثن الصحافيين.
يكاد تأثير قوانين الإعلام على الممارسة الإعلامية في الجزائر يكون محدودا، وربما منعدما، لأن تطبيقها يخضع لحسابات سياسية ومصلحية. فالكثير من موادها ظلت حبرا على ورق. وإن طبق بعضها فبطريقة انتقائية. فيمكن أن نذكر على سبيل المثال أن السلطة سمحت لرجل الأعمال علي حداد بإصدار صحيفتين رغم أن المادة 25 من قانون الإعلام الصادر في 2012 تمنع ذلك، بينما الغت عقد شراء رجل الأعمال ” يسعد ربراب” صحيفة الخبر في 2017 باسم المادة ذاتها من القانون نفسه بحجة امتلاكه صحيفة ” ليبرتي”!
التاريخ السياسي لوسائل الإعلام في الحقبة الاستعمارية
حمل الجيش الاستعماري الفرنسي في غزوه للجزائر المطبعة لطبع أول صحيفة: “ليستفات دالجي” للإعلام عن توسع الجيش الاستعماري في التراب الجزائري. فصدر عددها الأول في 25 /06/1930. ثم حلّت محلّها صحيفة ” لو منيتور ألجيريا” الأسبوعية في 1932. وكانت مزدوجة اللغة تخصص جزءًا بسيطا للغة العربية. ويعتبرها المؤرخون الصحيفة الرسمية للاستعمار في الجزائر، تنشر مراسيمه وقوانينه.
بدأت الصحافة الفرنسية الصادرة في الجزائر تتشكل بدءا من 1839 بميلاد صحيفة “الأخبار” التي نشرها الفرنسيون المتعاطفون إلى حد ما مع الجزائريين- الأهالي- وتوقفت عن الصدور في 1834.
وشجعت السلطات الفرنسية المعمرين على إنشاء صحفهم في أكبر الحواضر الجزائرية ، مثل: L’Écho d’Oran, في وهران، وLe Seybouse في عنابة، و Le Courrier de Philippeville في مدينة سكيكدة، وd’Alger L’echo في الجزائر، وغيرها من الصحف التي جعلوا منها منابر للدفاع عن مصالحهم ورابطا يشدّهم إلى الأحداث التي تذكرهم أنهم جزء من الأمة الفرنسيّة.
بجانب هذه الصحف أصدرت السلطات الاستعماريّة صحفًا موجهة إلى السكان الأهالي، مثل صحيفة ” المبشر” (1848- 1928 ) النصف شهرية بنسختيها الفرنسيّة والعربيّة. ويعتبرها المؤرخون ثالث صحيفة تصدر في العالم العربي. وكانت ترسل إلى أعوان الإدارة الاستعماريّة من الجزائريين سواء المتعلمين باللغة العربيّة أو الفرنسيّة، أي النخبة ، من أجل نشر الدعاية الاستعمارية. كان بعض محرريها جزائريين تدربوا فيها على العمل الصحفي.
ألغى قانون الصحافة (1881) في فرنسا نظام التصريح القبلي لإصدار الصحف. وأعفى الناشرين من دفع كفالة مالية قبل الشروع في طبعها. فأحدث ديناميكية في الصحف التي أصدرها الفرنسيون أصلا، مثل صحيفة “المنتخب” ( 1882) التي صدرت في قسنطينة، وصحيفة ” النصيح” ( 1899 – 1902 ) التي صدرت في الجزائر. وصحيفة المغرب (1903)، والإحياء (1907) وصحيفة الجزائر( 1907).
كان القانون المذكور أعلاه يشترط على مسير الصحيفة التمتع بحقوقه المدنية، بينما كان الجزائريون خاضعين لقانون الأهالي( 1865) الذي جردهم من هويتهم وحقوقهم المدنية كمواطنين. وهذا ما يفسر، جزئيا، تأخر الجزائريين في إصدار صحفهم في العهد الاستعماري إلى غاية نهاية العقد الأخير من القرن التاسع عشر. إضافة إلى اعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر بموجب قانون 1838.
اتسمت الصحف التي أصدرها الجزائريون ، خاصة باللغة العربية بقصر عمرها لأسباب مادية، وللتطبيق القانون الصادر في 1895 الذي يجيز منع صدور أي صحيفة ناطقة بلغة أجنبية، أي باللغة العربية. وهذا ما حدا بالمؤرخ كلود كولو إلى التأكيد على ” مفارقة” نظام الصحافة الفرنسيّة الذي يتسم بطابعه الليبرالي ويسمح في الوقت ذاته للسلطات الاستعمارية بالتضييق على صحافة الأهالي في الجزائر.[3]
ويعتبر مؤرخو الصحافة الجزائرية أن “الحق” أول صحيفة يصدرها جزائري في 1893 باللغة الفرنسية، ولم تخصص للغة العربية إلا صفحة واحدة بدءا من عددها السادس عشر بغية الوصول إلى القراء المعربين. وتوقفت عن الصدور بعد سنة لتعود مرة أخرى إلى الظهور تحت مسمى” L’Éclair
رغم أن الصحف الصادرة في المشرق كانت تصل إلى الجزائر بنسخ محدودة وتوزع بسرية إلا أنها أثرت على ميلاد الصحافة الصادرة باللغة العربية في الجزائر، مثل صحيفة النجاح التي صدرت لبضعة أشهر فقط في1930. وتُعدّ أول صحيفة ناطقة باللغة العربية. والفاروق الصحيفة الأسبوعية التي صدرت بشكل غير منتظم خلال الفترة الممتدة من 1913 إلى1921. و” ذوق الفقار” (1913 -1914) التي اصدرها الفنان عمار راسم. وغيرها من الصحف التي تحمل المسميات التي تؤكد هاجسها الهوياتي.
يؤكد المؤرخ علي مراد أن الصحافة الإسلامية أو صحافة الأهالي في الجزائر شكلت رمزا لديناميكية المجتمع المدني الذي كان في طور التشكل. فعوضت جزئيا الأحزاب السياسية التي لم توجد بعد، إذ قامت بنشر الأفكار الإصلاحية في المجتمع المحلي.[4] ويمكن النظر إلى تشكل هذه الصحافة، مثلما فعل المؤرخون، على مراد، وكولو، Zessin على ضوء التغيير الحاصل في البنية الاجتماعيّة والثقافيّة في المجتمع الجزائري المستعمَر، حيث تراجعت النخبة التقليدية التي شكلها الوجهاء والأعيان لتبرز نخبة جديدة تتشكل من فئتين ، فئة الشباب الحضري المتفرنس الذي وُظِف كعون إداري أو موظف في سلك التعليم والطب والقضاء والترجمة. وفئة المعربين من مدرسي الكتاب والأئمة والقضاة الذين كان لهم دور في بروز صحافة الأهالي. ولم تكن الفئتين منفصلتين عن بعضهما. فكانا لهما الفضل في بروز صحافة الأهالي.
الحركة الوطنية والصحافة
بعد أن قضى الاستعمار الفرنسي على انتفاضتهم في العديد من المناطق الجزائرية، لم يجد الجزائريون من وسيلة بديلة لكفاحهم سوى النضال السياسي عبر الجمعيات الثقافية والأحزاب السياسية التي تدرجت مطالبها من الإصلاح، ومساواة الجزائريين بالفرنسيين في الحقوق، إلى المطالبة بالاستقلال الوطني. وفي هذا النضال استخدم كل حزب من أحزاب الحركة الوطنية الصحافة لتحقيق مطالبه، بدءًا بحركة “الشباب الجزائري” التي أصدرت بعض العناوين مثل الراشدي ( 1911-1914)، والاسلام ( 1909-1919) اللتين توحدا في صحيفة الاقدام (1909- 1923) التي اشرف عليها الأمير خالد للدفاع على المصالح السياسية والاقتصادية لمسلمي شمال افريقيا، والتصدي لدعاية الصحافة الكولونيالية.
وأصدر حزب “نجم شمال افريقيا” صحيفة الأمة في 1930 للرد على احتفاء فرنسا بمرور قرن على احتلالها الجزائر! ونشر حزب الشعب الجزائري صحيفة ” البرلمان الجزائري” يوم 11/3/1937 لتكون لسانه الناطق، ثم صحيفة الشعب في أغسطس 1937. وأصدر حزب انتصار الحريات الديمقراطية صحيفة ” الجزائر حرة”. وبجانب هذه الصحف أصدرت فيدرالية المنتخبين “( 1935- 1942) صحيفة ” L’Entente وصحيفة” الجمهورية الجزائرية”، لسان الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بقيادة رحات عباس. وصحيفة ” الحرية” التابعة للحزب الشيوعي الجزائري.
وتظلّ جمعية العلماء المسلمين، من أنشط أحزاب الحركة الوطنية في مجال النشر الصحفي لكونها ورثت صحف الإصلاح التي سبقت نشوءها في 1931، مثل صحيفة ” المنقذ”، و ” الإصلاح” ، و” الشهاب ” بقيادة عبد الحميد بن باديس ( 1925-1939). وتمثل صحيفة “البصائر” بقيادة البشير الإبراهيمي (1935- 1956) لسانها الناطق. لقد توقفت هذه الصحيفة عن الصدور من 1939 إلى 1947.
وسائل الإعلام والكفاح المسلح.
بعد أن وصلت الحركة الوطنية إلى الطريق المسدود أمام غطرسة الاستعمار وقمعه خاصة بعد أحداث مايو 1945 التي راح ضحيتها آلاف الجزائر، انطلقت الثورة المسلحة في 1 نوفمبر 1954 وشرعت الولايات في إصدار نشراتها المستنسخة على ألة الرونيو، مثل “صدى التيتري” و ” صوت المجاهد”، و النهضة الجزائرية من أجل تزويد جنود جيش التحرير الوطني بالمعلومات والأخبار عن سير المعارك . أما في الخارج فقد أصدرت جبهة التحرير الوطني صحيفة ” المقاومة الجزائرية” باللغتين العربية والفرنسية في 22 /10/1955 ، بشكل غير منتظم، في كل من تيطوان ( المغرب)، وتونس وباريس إلى غاية جوان 1957. وفي 22 06/ 1956 قررت جبهة التحرير إصدار صحيفة المجاهد باللغة الفرنسية وجعلتها لسانها الناطق. لقد عملت هذه الصحيفة على نقل صوت الجزائر المقاتلة إلى القراء داخل التراب الوطني وخارجه. وتصدت للدعاية الاستعمارية التي لجأت إلى إصدار نسخ منها مزورة.
وعلى صعيد أخر أطلقت جبهة التحرير” صوت الجزائر المكافحة” في 16/12/1956 عبر موجات الإذاعة من الناظور- المغرب- باللغات الثلاث: الفرنسية والعربية والأمازيغية. تبث البيانات العسكرية عن جيش التحرير، وتعلن عن مواقف الثورة الجزائرية ومواقف الدول الأجنبية منها. وترد على الدعاية الاستعمارية.
لقد غيّرت هذه المحطة علاقة الجزائرين بالإذاعة، التي كانت تعد صدى للإذاعة الفرنسيّة. فلم يستمعوا إليها، حسب فرانز فانون، لأن أقلية منهم فقط كان تملك مذياعا قبل 1945 ، وتتشكل من بعض البرجوازيين والمهاجرين الجزائريين الذين يعودون إلى الجزائر. وكان الاستماع لبرامج هذه الإذاعة بالعربية العامية والأمازيغية شبه مستحيل لما كان يتضمنه من إيحاءات شبقية وأوضاع هزلية تثير حالة عدم الارتياح داخل الأسرة الجزائرية. فالمذياع، الذي قال عنه فانون، أنه يمثل للأوربيين أداة مقاومة للعزلة ووسيلة للضغط الثقافي على المستعمَرين، تحوّل في ظل الثورة المسلحة إلى أداة تحرّر بيد الجزائريين، فجعل من الجماهير الجزائرية أمة “.
خارطة وسائل الإعلام : الوضع القانوني وأنماط التمويل
- الإذاعة والتلفزيون
أنشأت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الجزائر في 28/10/1962 بالإمكانيات التي ورثتها عن مؤسسة إذاعة وتلفزيون الفرنسية بالجزائر. وتولى صحافيون وتقنيون جزائريون تسيرها بعد أن غادرها الفرنسيون. فكانت تبث في بدايتها ثلاث برامج جهوية عبر المحطات الثلاث: الجزائر، قسنطينة ووهران. وبالتدريج اتحدت هذه البرامج في برنامج واحد مركزي يبثّ من الجزائر العاصمة. لقد وجدت الجزائر في الإذاعة والتلفزيون أفضل وسيلة لتجنيد الجزائريين حول أهداف الثورة نظرا لارتفاع نسبة الأمية في المجتمع الجزائري آنذاك ، إذ بلغت 85 %. فعملت الدولة الجزائرية على مضاعفة قدراتها في البث الإذاعي والتلفزيوني لتغطية التراب الوطني عبر الأقمار الصناعي. فضاعفت عدد محطات الإرسال لتبلغ 43 محطة و400 أخرى لإعادة الإرسال في 2014. وارتفعت نسبة البيوت الجزائرية التي تملك صحونا لاقطة لمتابعة البرامج التلفزيونية والإذاعية الوطنية والأجنبية التي تبث عبر الأقمار الصناعية لتبلغ نسبة 97.3 %.
تعرضت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى إعادة الهيكلة في 1986 شأنها في ذلك شأن بقية المؤسسات الصناعية والتجارية، وتفرعت إلى أربع مؤسسات مستقلة ذاتيا وهي: مؤسسة الإذاعة، ومؤسسة التلفزيون، ومؤسسة الإنتاج السمعي- البصري، ومؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني التي عمّمت التلفزيون الرقمي الأرضي ليغطي 85% من التراب الوطني في2017. ومكّنت المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية الجزائرية العمومية من بث برامجها عبر القمر الصناعي” Alcomsat-1″ الذي أطلقته الجزائر بالتعاون مع الصين يوم 10/12/2017.
تملك الجزائر 50 محطة إذاعية كلها رقميّة تبث برامجها عبر موجات FM. فبالإضافة إلى محطاتها الوطنية الثلاث، التي تبث باللغة العربية والأمازيغية والفرنسية، اتجهت إدارة مؤسسة الإذاعة إلى إنشاء قناة دولية ) تبثّ باللغة العربية، والفرنسية والانجليزية والإسبانية ( ومحطات متخصصة في الثقافة، والقرآن، والشباب ) تبث برنامجين عبر الانترنت: جيل واب وجيل موسيقى(. وخوفا من لجوء القطاع الخاص إلى الاستثمار في الإذاعات المحلية بموجب قانون الإعلام الصادر في 3/4/1990 سارعت السلطات إلى إنشاء 43 إذاعة محلية فأصبحت لكل ولاية إذاعتها تقريبا. وجميع المحطات تابعة للإدارة المركزية.
ظلت الجزائر تملك قناة تلفزيونية واحدة إلى غاية 1994. وهو التاريخ الذي اطلقت فيه قناة ” Canal Algérie” الناطقة باللغة الفرنسية التي تبثّ برامجها للجالية الجزائرية في الخارج عبر القمرين الصناعيين: هوت بورد، وأسترا. ثم قناة ” الجزائر 3″ في 2001 والتي تبث برامجها للجالية الجزائرية المقيمة في الدول العربية عبر القمرين الصناعيين :”عربسات” واسترا. وأطلقت يوم 18/3/2009 قناتين أخريين : القناة الرابعة الناطقة باللغة الأمازيغية، القناة الخامسة للقرآن الكريم “لـحماية” المشاهد الجزائري من التطرف الديني الذي كانت تروجه بعض الفضائيات الإسلامية. ولا توجد في الجزائر سوى قناة تلفزيونية واحدة أرضية بينما بقية القنوات التلفزيونية فضائية.
أصبحت المؤسسة الوطنية للتلفزيون تدير ماليا وإداريا وإعلاميا خمس قنوات تلفزيونية! وتنافس القنوات التلفزيونية الخاصة في ظل عدم احترام قانون المنافسة وغياب القواعد المهنية والأخلاقية.
للوقوف ضد امتداد أحداث الربيع العربي إلى الجزائر ولسحب جزء من الجزائريين من متابعة قناة المغاربية المناهضة للنظام الجزائري، و للمساهمة في الحملة لانتخاب بوتفليقة للعهدة رئاسية رابعة، وافقت السلطات الجزائريّة على إنشاء قنوات تلفزيونية في 2012 على أن تبثّ من خارج الجزائر! ففي ظرف ثلاث سنوات ارتفع عدد هذه القنوات ذات الوضع القانوني الهجين ليبلغ 45 قناة! افتتحت مقرات لها في الجزائر لكنها تبث من الأردن وبريطانيا عبر الأقمار الصناعية ألسات، وعربسات، لكن لم يُرَخّص سوى لخمس قنوات تلفزيونية بصفتها مكاتب لقنوات تلفزيونيّة أجنبيّة لمدة سنة قابلة للتجديد! وهي: جزائرTV ، قناة النهار، الجزائرية، قناة الشروق، وقناة الهوقار. وهي القنوات التي يمتلكها رجال المال والأعمال المقربين من السلطة والمنتفعين منها. ويظل الغموض يكتنف مصادر تمويل هذه القنوات رغم حصولها على نصيب وافر من عائدات الإشهار الذي لازال في يد الحكومة.
عملت السلطة على ترسيخ هذا الوضع القانوني الشاذ التي تعيشه القنوات التلفزيونية ” الخاصة” لاستعماله كورقة ضغط. لقد غلقت مقر القناتين التلفزيونيتين: الأطلس والوطن المعارضتين للسلطة بقرار إداري بذريعة عدم حصولهما على ترخّيص لممارسة نشاطهما!
- الصحافة:
بعد نيل استقلالها شرعت الجزائر في بناء منظوماتها الإعلامية. فنقلت وكالة الأنباء الجزائرية، التي تأسست1/12/ 1961، من تونس إلى الجزائر. وأطرت نشطها بنص قانوني يؤكد أنها مرفق عمومي يقوم بمهام الخدمة العمومية. فشرعت في تشكيل فريق من المحررين والمراسلين داخل الوطن وخارجه. وشرعت في تكوين الصحافيين والفنيين وفي امتلاك التجهيزات التقنيّة الضرورية لعملهم.
تغطي وكالة الأنباء الجزائرية الأحداث الوطنية والدولية عبر ثلاثة أقمار صناعية أخرها هو ALCOMSAT-1 الجزائري بدءا من1/11/2018. و شبكة الانترنت بدءا من 18/2/1998. وأنشأت سبعة موقع لها في شبكة الانترنت. موقع لكل لغة من لغات عملها: العربية والفرنسية والانجليزية. وخصصت باقي المواقع لمديرياتها الجهوية في وهران والبليدة وقسنطينة وورقلة.
توزع وكالة الأنباء حوالي 600 برقية يوميا إضافة إلى الصور وشرائط الفيديو التي ينتجها مراسلوها في ولايات الوطن، ومكاتبها في العواصم التالية: باريس، بروكسل، لندن، روما، مدريد، موسكو، عمان، القاهرة، الرباط، وواشنطن.
قامت السلطات الجزائرية بعد الاستقلال بتأميم كل الصحف الاستعمارية. وشرعت في بناء منظومتها الإعلامية. فاستهلتها بإصدار يومية Le peuple باللغة الفرنسية يوم 19/12/1962، المصادف ذكرى تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة. وصحيفة ” الشعب” أول صحيفة يومية تصدر باللغة العربية يوم 11/12/1962 المصادف ذكرى الانتفاضة الشعبية في العاصمة في 1960. وأصدرت في الغرب الجزائري صحيفة” La république ” باللغة الفرنسية يوم 29/03/ 1963 وعربتها في 1976. وصحيفة ” النصر” باللغة الفرنسية في 28/9/1963 في الشرق الجزائري التي عربتها في 1972.
وأصدرت صحيفة ” Alger Ce Soir” باللغة الفرنسية يوم 15/4/1964، التي تعد أول يومية مسائية جزائرية، لتنافس صحيفة ” France Soir” الفرنسية التي شرعت منذ 1963 في إصدار ملحق خاص بالجزائر. لكنها لم تعمر طويلا إذ توقفت عن الصدور في 7/9/1965 رغم تزايد شعبيتها لدى القراء.
وتحولت صحيفة المجاهد التاريخية، لسان الناطق باسم جبهة التحرير الوطني، من يومية إلى أسبوعية في جويلية 1964. واكتفت بالنسخة العربية. وأصدرت مجلة ” الثورة الافريقية” باللغة الفرنسية في نوفمبر 1962 لتعبر جبهة التحرير عن تضامنها مع حركات التحرر في العالم. فبالإضافة إلى هاتين الاسبوعيتين، أشرفت جبهة التحرير الوطني على الألسن الناطقة باسم منظماتها الجماهيرية وهي: و “الثورة والفلاح” ومجلة ” أول نوفمبر” و” الجزائرية” و “الثورة والعمل، و” الوحدة”. وكانت المجلات الثلاث الأخيرة تصدر بطبعتين: العربية والفرنسية.
قضت الجزائر على الطابع الجهوي والمحلي الذي اتسمت به الصحافة الكولونيالية. لأن ما هو جهوي يحيل في القاموس السياسي الجزائري الرسمي إلى الانقسام والتشتت وربما الصراع مما يعيق الجهد الوطني لبناء الدولة المركزية التي توحد طموح الشعب وتوجهه نحو بناء الاشتراكية. فالصحف التي أنشأتها بعد الاستقلال اتسمت بطابعها المركزي. فكانت صحفا وطنية.
إن انصهار التيارات السياسية والأيديولوجية في جبهة التحرير الوطني خلال حرب التحرير تحوّل إلى مرجعية للفعل السياسي والإعلامي في الجزائر بعد الاستقلال، الذي تشبع بالفكر الشعبوي الذي يخوّن المعارضة السياسية. فألغيت التعدّدية السياسية والإعلامية التي تدل على التفرقة وفق الفكر ذاته. فبعد حل الحزب الشيوعي الجزائري في 30/10/ 1962 اتخذ القرار بدمج صحيفة ” ِAlger-republicain” المقرب منه مع صحيفة ” Le peuple ” لتصدر في صحيفة واحدة يوم 5/6/1965. لكن الانقلاب الذي قام به هواري بومدين لم يسمح لهذا الاندماج أن يتحقق. فصدرت صحيفة ” المجاهد” باللغة الفرنسية يوم 5 /07/1965.
أطرت النخبة المثقفة التي شاركت في حرب التحرير المؤسسات الإعلامية الناشئة بيد أن معظم الصحافيين الذين تكونوا في الحقبة الاستعمارية وأثناء حرب التحرير غادروا قطاع الإعلام في 1962 واتجهوا إلى قطاعات الأخرى : الإدارة المركزية، والسلك الدبلوماسي مما حدا بالسلطات إلى الإسراع في تكوين مجموعة من الصحافيين تحت إشراف الصحافي الفرنسي سارج ميشال، وبمساعدة المنظمة الدولية للصحافيين ببراغ. وتوظيف صحافيين بشكل غير مدروس على حساب الكفاءة حسب المؤرخ زهير إحدادن. واستعانت الصحافة الصادرة باللغة العربية في بدايتها بصحافيين وفنيين مصريين.
واصلت السلطات الجزائرية في بناء منظومتها الإعلامية، إذ أصدرت أسبوعية ” Algerie- Actualité” في 24/10/1965 من أجل توظيف صحافيي Alger Ce Soir” بعد أن غلقت صحيفتهم أبوابها من جهة، ولتعويض النقص الفادح في الأسبوعيات. واتسمت منذ ظهورها بطابعها الاجتماعي والثقافي الخفيف لكنها تحولت في مطلع الثمانيات من القرن الماضي إلى منبر للجناح الليبرالي في السلطة بكتاباتها التي تناولت المواضيع التي كانت محظورة، مثل الجنس، المخدرات، الدين، وأغاني الرأي والتي رافعت عن إعادة كتابة تاريخ الجزائر بعيدا عن هيمنة الأيديولوجيا الرسمية، ودعت إلى تحرير الاقتصاد الوطني. فتصدت لها أسبوعية ” الثورة الإفريقية” التي كانت تعبر عن “الجناح الوطني” في السلطة الذي يسميه البعض بالمحافظ.
قبل صدور قانون الإعلام الذي وضع حدا لاحتكار الدولة لوسائل الإعلام، أصدرت حكومة مولود حمروش تعليمة يوم 19/3/1990 تدعو فيها الصحافيين العاملين في مؤسسات الإعلام العمومية إلى الالتحاق بالصحف الحزبية أو انشاء مجموعات لإصدار صحف أو مجلات. ويعتقد عمار بلحمير[5] أن مولود حمروش كان يفضل ” وضع الصحافة في يد المهنيين بدل الأحزاب السياسية. فبالإضافة إلى منحهم راتب ثلاث سنوات مسبقا استفادت المجموعات التي أصدرت صحفا خاصة بجملة من الإعانات المباشرة وغير المباشرة، مثل المقرات، والقروض البنكية بدون فوائد، وعائدات الإشهار، والإعفاء من الضرائب، و التساهل في تسديد تكاليف الطباعة في مطابع الدولة بسعر الورق المدعم.
بموجب هذه التعليمة غادر 150 صحافيا المؤسسات الإعلامية العمومية لينشئوا مؤسساتهم الخاصة أغلبها صحف مكتوبة تمتعت نسبيا بحرية التعبير. واستغلتها السلطة لتكون واجهة ديمقراطية للنظام السياسي، وغطاء للانتقال إلى اقتصاد السوق ومتنفسا للقراء ليعبروا عن غيظهم من ظروف معيشتهم ومن التعسف في استخدام السلطة. لكن بعد إلغاء المسار الانتخابي والإعلان عن حالة الطورائ، تراجعت الحريات العامة وتراجعت معها حرية الإعلام. ففي ظل مكافحة الإرهاب احتكرت السلطة الأخبار الأمنية، ودفعت الصحف إلى إعادة إنتاج الخطاب الرسمي مما أدى إلى إفقار الإعلام. فتعددت الصحف دون أن تنتج تعددية إعلامية. وتمت متابعة الصحافيين الذين حاولوا الخروج عن هذا الخطاب قضائيا وعلقت صحافهم أو مُنعت طباعها.[6]
تظلّ الصحافة في الجزائر ظاهرة حَضَريّة رغم تغير خارطتها على الصعيد الكمي واللغوي. إذ قفز عدد اليوميات من 6 صحيفة تسحب 670450 نسخة يوميا في 1989 إلى 140 يومية تسحب 2469616 نسخة يوميا في 2014[7]. وارتفع عدد الصحف في 2016 ليبلغ 150 عنوان إلا أن سحب 21 منها فقط يتجاوز سحبها عن 10 ألاف نسخة يوميا أو يعادله!
يسطر القطاع الخاص على الصحف الجزائرية ، وثلثي سحبها اليومي يعود للصحف الصادرة باللغة العربية منذ 2011 بعد أن كانت هذه النسبة من نصيب الصحف الصادرة باللغة الفرنسية قبل 2000.
الصحافة الإلكترونية:
تعتبر صحيفة الوطن أول صحيفة جزائرية تنشئ موقعا لها في شبكة الانترنت في1997. ومنذ ذاك التاريخ والصحف الجزائرية تتسابق لإصدار طبعاتها الإلكترونية. وتبدو الإجابة عن سبب إصدارها غامضة لكونها عبارة عن إعادة إنتاج النسخ الورقية. وإن كانت بعض الصحف جعلت من موقعها الإلكتروني منبرا للترويج لنسختها الورقية، فالبعض الأخر لجأ إليها من باب تقليد بقية الصحف لأنه لا يقوم بتحديث محتوياتها بشكل مستمر. والكثير من الصحف أنشأت مواقع لها في شبكة الانترنت لتفادي المنع من النشر الذي تتعرض له طبعتها الورقية بدليل أن جلّها مستضافة في الخارج: فرنسا وسويسرا.
وأول موقع لصحيفة إلكترونية ظهر في 1999، وحمل اسما ذا دلالة تكنولوجيّة أكثر منه سياسية، وهو: Algerie-interface” ففتح المجال للجزائريين لمتابعة أخبار بلدهم وقضاياها عبر شاشة الكمبيوتر دون سند ورقي، لكنه توقف عن الصدور. لقد كانت تجربة مفيدة، ولم تستأنف إلا في 2007 بظهور صحيفة ” TSA”.
تأخر ظهور الصحف الإلكترونية الجزائرية الصادرة باللغة العربية إلا غاية 2012. وهو التاريخ الذي ظهرت فيه صحيفتا ” الجزائر 24″ وسبق براس”. وتظل اللغة الفرنسية مسيطرة على الصحافة الإلكترونية الجزائرية خلافا للصحف الورقية.
لقد مدّت الجزائر أكثر من 140 ألف كلم من الألياف البصرية في إطار الإستراتيجية الوطنية الرامية إلى ربط مجمل المحافظات بشبكة الهاتف والانترنت ذات التدفق العالي منذ 2013، مما أدى إلى تزايد عدد ناشري الصحف الإلكترونية ليصل إلى 35 ناشرا في 2017 اصدروا صحفا إلكترونية مختلفة: عامة وشاملة، ومتخصصة في الاقتصاد والرياضة والسياسية والثقافة والتكنولوجيا، وذات طابع وطني ومحلي ينقل أخبار المحافظات. و مع بداية انتشار الجيل الثالث G3 من الهواتف الذكية تزايد عدد الجزائريين الذين يلجون شبكة الانترنت ومواقع الصحف عبر الحوامل المتنقلة ليصل إلى 20 مليون جزائري.
إن احتكار الدولة للبث الإذاعي، وقلة الكلفة المالية للبث عبر شبكة الانترنت، شجعا التوجه إلى إنشاء إذاعات الواب بدءًا من 2006 لتقديم محتوى مختلف عن الإذاعات الحكومية. وكانت البداية مع إذاعة الجزائر، ثم تعززت بالإذاعات ذات المحتوى الموسيقى، والإذاعات الناطقة باسم الجمعيات، مثل إذاعة ” صوت النساء” التابعة لجمعية ” النساء في الاتصال”.
من الصعب حصر عدد ” تلفزيونات الواب” في الجزائر التي تتسم بوضع قانوني مختلف. فهناك تلفزيونات متنوعة إخبارية وموسيقية ورياضية منها ما هو تابع لمؤسسات الدولة، مثل تلك التابعة لوكالة الأنباء الجزائرية، وأخرى تابعة للقطاع الخاص.
تعاني الصحافة الإلكترونية الجزائرية من صعوبات جمة بعضها تشترك فيه مع بقية وسائل الإعلام، ويتعلق بالجانب الاقتصادي، والمهني، وبرقابة الدولة- ستناولها بالتفصيل لاحقا- وبعضها الأخر يتعلق بوضعها الخاص. فرغم اعتراف قانون الإعلام الصادر في 2012 بالصحافة الإلكترونية إلا أنه لم يرفق بقوانين تنظيمية تحدد كيفية طلب التصريح بالنشر. لذا فإن وجودها في نظر القانون غير شرعي. ويصعب على صحافييها تغطية الأحداث الوطنية. ولا تستفيد من عائدات للإشهار التي تحتكرها الدولة ولا من إعانات هذه الأخيرة.
وسائل الإعلام الجزائرية: العوائق والتحديات
العائق الاقتصادي: يتشكل مورد مؤسسات الإذاعة والتلفزيون من الأموال المقتطعة من وزارة الاتصال. إذ يذكر أن مؤسسة التلفزيون حصلت في 2012 على 116.929.334 دولارا من ميزانية وزارة الاتصال وعلى 12.302.999 دولارا عن الإتاوات المفروضة على المواطنين، وعلى 24237417 دولار من الإشهار.[8]
قفز سوق الإشهار في الجزائر من18.7 مليون في 1999 إلى 200 مليون يورو في 2016. واتسمت هذه الزيادة باضطراب مع بداية بث القنوات التلفزيونية الخاصة في ظل غياب القوانين التي تنظم الإشهار. لقد قامت هذه القنوات بخفض سعر دقيقة إشهار في زمن ذروة البث ليصل ما بين 109 و181 دولار[9]. وهذا لإضعاف المؤسسة الوطنية للتلفزيون التي تُسَعّر دقيقة الإشهار في الزمن ذاته ما بين 2265 و4531 دولار. إن هذه الممارسة لا تؤثر على اقتصاديات القنوات التلفزيونية العمومية فحسب، بل تؤثر أيضا على الاذاعة التي يبلغ فيها سعر الإشهار لمدة دقيقة في زمن الذروة 346 دولار. ويؤثر على الصحف التي تبيع الصفحة الملونة للمعلنين بـ 3508 دولار، ونصف الصفحة الملونة بــ 1756 دولار، وربع الصفحة بـ 920 دولار[10].
شكلت حصيلة الراتب المسبق لمدة ثلاث سنوات الذي حصل عليها الصحافيون الذين غادروا مؤسسات القطاع العام رأسمال المؤسسات الخاصة التي أنشئوها في قطاع الصحافة المكتوبة والسمعي-البصري. وعززته الدولة بجملة من الإعانات غير المباشرة التي ذكرناها آنفا. وأنشأت صندوقا بــ 22160665 دولار لتطوير هذا القطاع بموجب قانون المالية في1991. ووزعت هذا المبلغ على المؤسسات الناشئة على أساس المحسوبية والولاءات سياسية. ثم حولت أموال هذا الصندوق لتمويل الندوات الصحفية والمحاضرات التي ينظمها وزراء الاتصال باسم “تكوين الصحافيين”!
لا تساهم مبيعات أكبر صحيفتين جزائريتين الخبر والوطن في دخلهما سوى بنسبة 50% للأولى و30% للثانية. وهذا رغم اللجوء إلى الرفع الدائم لسعر الجريدة. لذا يظلّ الإشهار الوسيلة الأكثر أهمية في تمويل الصحف الجزائرية إذ يساهم بما بين 50 و25 ألف دولار في عائدات العدد الواحد من الصحيفة.
تسيطر الدولة على 85% من سوق الإشهار عبر الشركة الوطنية للنشر والإشهار. وتفرض على الشركات التابعة لها عدم شراء صفحات اشهارية من إدارة الصحف مباشرة. فظلّ توزيع الإشهار على الصحف غير خاضع لمنطق السوق. ولم يعزز حرية التعبير والتعدّدية الإعلامية. بل اعتبر كغنيمة توزع حسب درجة الولاء للسلطة ووفق المصالح، خاصة وأن ملكية العديد من الصحف تعود لرجال المال والأعمال والساسة القريبين من دوائر السلطة. وقد زاد هذا التوزيع في الأزمة التي تعيشها الصحف الجزائرية، مما أدى إلى توقف 26 يومية وحوالى 30 مجلة عن الصدور خلال الفترة 2014 -2017 دون أن تثير أي استنكار!
يعدّ الوضع الاقتصادي للصحافة الإلكترونية في الجزائر أكثر تعقيدا من الصحافة المطبوعة. إنها تدفع حوالي 2630 دولار شهريا جراء استضافة موقعها وصيانته، أوما بين 160 و201 دولار شهريا مقابل استضافته فقط[11]. ويتردّد الكثير من المعلنين الجزائريين عن الإعلان في مواقع الصحف الإلكترونية لعدم إدراك أهميتها. فيتعامل بعضها مع برنامج شركة غوغل الإعلاني ” Google ad sense” التي تدرّ عليه ما بين 150 و200 دولار فقط. لقد حاولت بعض مواقع الصحف، مثل Maghreb Emergent اللجوء إلى مستخدميها لتمويلها crowdfunding دون جدوى. فاتجهت إلى تقديم الاستشارات الاقتصادية للمؤسسات، وإصدار ملحق اقتصادي لصحيفة جزائرية. ولجأت إذاعة الواب” Radio M”، من جهتها، إلى الوكالة الفرنسيّة للتعاون الإعلامي طلبا للإعانة لتضمن بقاءها.
إن مستقبل وسائل الإعلام الجزائرية مرهونا بإصدار قانون الإشهار يأخذ بعين الاعتبار ديناميكية السوق ويرسخ المنافسة الشريفة ويحمي الخدمة العمومية ويعزز التعددية الإعلامية. ومرتبط بآليات توزيع إعانة الدولة على وسائل الإعلام المختلفة التي يجب أن تكون شفافة وترافق اندماجها في البيئة الرقمية مع إخضاع الهيئة المشرفة على توزيعها للمساءلة .
العامل السياسي:
باستثناء صحيفتي الخبر والوطن اللتين امتلكتا مطابع خاصة بهما في 2000، وتحررتا من التبعية لمطابع الدولة، تظلّ الكثير من الصحف الجزائرية تعاني من عواقب هذه التبعية. فالعلاقة التي تربط الصحف بالمطابع لا تستند إلى أسس تجارية بل تخضع لحسابات سياسية. حقيقة توجد الكثير من المؤسسات الصحفية لا تسدّد ديونها لدى المطابع وأنشأت قنواتها تلفزيونية، مثل صحيفة ” الأجواء”، والنهار، والشروق التي بلغت ديونها حوالى 5222646 دولار[12]. ومن الصعب التأكد من صحة حجم ديون الصحف التي تعلن عنها وزارة الاتصال وإدارة مطابع الدولة لكن هذا لا ينفي استغلال الديون لمساومة الصحف على خطها الافتتاحي، بدءا بتقليص عدد سحبها بحجة نقص مخزون الورق إلى تعليق طباعتها أو توقيفها عن الصدور بحجة عدم تسديد ديونها، مثل صحيفة La nation في 1997 والجزائر نيوز، والفجر في 2014.
ونظرا لأن السلطة تحتكر النفاذ إلى خدمات الانترنت تعيش الصحف الإلكترونية الجزائرية الخوف من حرمانها من الوصول إلى ” جمهورها” كعقاب عن مواقفها، كما حدث لصحيفة ” TSA ” في أكتوبر 2017 وجوان 2019.
تؤكد الكثير من الحجج والشواهد على أن الدولة لم تؤد دور الحاكم/ المُعَدِل للنشاط الإعلامي في الجزائر، بل تتصرف كطرف فيه. فلم تقنن علاقة السلطة التنفيذية بوسائل الإعلام بما يلبي تعددّية الإعلام ويجسد حرية التعبير والخدمة العمومية، بل دفعت وسائل الإعلام، خاصة العمومية منها لتكون لسانها الناطق وجرت بعض الصحف الخاصة لتصفية حسابها مع خصومها السياسيين.
العامل المهني والأخلاقي:
شكلت الصحافة الجزائرية، التي نشأت في ظل الحكم الاستعماري، منبر للنقاش السياسي والجدل. واتسمت بطابعها السياسي- النضالي أثناء الثورة التحريرية. وتحوّلت بعد الاستقلال السياسي إلى صحف تعبوية تولي أهمية للخطاب أكثر من الحدث. وظلّت كذلك في عهد التّعدّديّة الإعلامية. حقيقة لقد أسهمت الصحافة الخاصة في فتح المجال لحرية التعبير. فقامت بدور سياسي وعوضت الأحزاب السِّياسيَّة في سنوات العنف الدامي لكنها فرطت في واجبها المهني ومسؤوليتها الأخلاقية. وهذا ما يعترف به الكثير من الصحافيين وناشري الصحف الخاصة، مثل مديرا صحيفة الوطن و”لومتان”. فبعض الصحف الورقية والإلكترونية وبعض القنوات التلفزيونية الخاصة لا تتردّد في نشر الأخبار مجهولة المصدر دون مبرر، وتتعمد القذف وإهانة الغير. ولا تعترف بحق الرد! خاصة بعد أن تحوّل بعضها إلى مُؤسَّسات تجارية تنساق نحو الإثارة.
لقد انتشرت هذه الممارسات على وجه الخصوص نتيجة إخفاق الصحافيين في تنظيم أنفسهم لإصدار ميثاق أخلاقيات العمل، وفي غياب خضوع نشاطهم للمساءلة. وتفاقمت مع عدم الاستقرار المهني الذي يعاني منه الصحافيون نتيجة ترد ظروف عملهم وانتهاك حقوقهم المهنية.
إن أفاق تطور الصحافة الجزائرية والارتقاء بالمهنة يستلزم مجموعة من الشروط، منها تنظيم الصحافيين، وتحسين ظروف عمل الصحافيين ومعيشتهم والاهتمام بتكوينهم. ورفع التحديات السياسية والاقتصادية التي ذكرناها أعلاه.
[1] – Digital 2019 Algeria, retrieved June, 25,2019 from https://fr.slideshare.net/DataReportal/digital-2019-algeria-january-2019-v01
[2] – Lahouari Addi: Les partis politiques en Algérie; Revue des mondes musulmans et de la méditerrané; n 111-112 mars 2006, p 139-162
[3] – C. Collot, Le régime juridique de la presse musulmane algérienne, Revue algérienne des sciences juridiques, économiques et politiques, avril-juin 1969, p.347
[4] – A. Merad, ≪ La formation de la presse musulmane en Algérie (1919-1939) ≫, IBLA. Revue de l’Institut des Belles lettres arabes a Tunis, 1964, p. 9.
[5] – Ammar Belhimer: La presse en quête de mythes; La pensée de midi 2001/1 (N° 4), pages 111 à 123
[6]– تم توقيف عشر صحف صادرة باللغة العربية عن الصدور خلال الفترة ( 1992-2004) لكنها لم تحظ بالإعلام الداخلى والمساندة الأجنبية على غرار الصحف الصادرة باللغة الفرنسية التي تم توقيف سحبها لبضعة ايام فقط.
[7] -Ministère de la communication- les cahiers de la communication; Algérie. Mars 2014
[8] – Euromed Audiovusel, L’observatoire européen de l’audiovisuel. Monographies nationales : Algérie, mars 2014
[9] – Belferag Azzedine ) 2016( : les télés privées ont casse les prix; retrieved June; 10; 2019 from https://www.capalgerie.dz/les-teles-privees-ont-casse-les-prix-de-la-pub/
[10] – حسب الأسعار التي تطبقها صحيفة Liberté بتاريخ 13/7/2019
[11] – حسب: Zohra Taiebi Moussaoui- Le développement de la presse électronique en Algérie : Des dispositifs aux pratiques journalistiques: l’année du Maghreb-N0 15-2016; pp 61-76
[12] – حسب تصريحات إدارة المطابع نقلا عن:
Saïd Djaafer: Algérie ) 2017(: Les imprimeries publiques révèlent les gros chiffres de la dette du journal Echourouk retrieved June 10; 2019 from https://maghrebemergent.info/algerie-les-imprimeries-publiques-revelent-les-gros-chiffres-de-la-dette-du-journal-echourouk/