الإعلام في زمن الصراع
فيلم من إعداد: هالة القليصي، عبدالحكيم البخيتي، الكسندرا أماناتيدو
إشراف د. عبدالرحمن الشامي
يتضمن مقابلات مع الدكتورة سامية الأغبري، أستاذة الصحافة- جامعة صنعاء
عبدالباري طاهر- صحفي
أشرف الريفي- سكرتير نقابة الصحفيين اليمنيين
لا تفتجعوش, لا تفتجعوووش, لا تفتجعوش)
( الحرب دائما تريد أن تكون الرصاصة بديلا للكلمة)
أشرف( هذا الإستقطاب ضر التعددية الإعلامية وضربها في مقتل)
المياحي( الحرب تلتهم كل شيء)
سامية (الصحافة والسياسة هي وجهان لعملة واحدة)
تعليق صوتي: عانى اليمن منذ القدم من ويلات الحروب المختلفة
بسبب موقعه الجغرافي الذي يطل على طريق التجارة العالمية
وكان الاعلام بالطبع هو أول من تأثر بذلك
فلم تشهد اليمن إعلامًا حقيقيًا منذ بدأت مسيرتها فيه
ولم يكن طوال عصوره المختلفة إلا ابواق
للحكومات،فالأنظمة السلطوية هي ما يوجه عجلته حتى الان..
اُعلنت الوحدة اليمنية عام 1990، لتبدأ الدولة
بعدها تجربتها الديمقراطية وتظهر صحافة الأحزاب
سامية: من سنة1990 حتى 1994, قبل قيام حرب 1994, كان هناك مساحة
وهامش كبير من الحرية, حيث أنشئت أكثر من 130 صحفية ومجلة
على مستوى اليمن
من صحف حزبية وأهلية, وكان كل من ظهر قام بإنشاء صحفية
, , فأصبجت فوضى صحفية أكثر من أنها حرية صحفية
لكن الطابع العام الذي كان يسود عليها هي الصحافة السياسية.
تعليق: لربما بدت مساحة الحرية فضفاضة وواسعة خلال تلك الفترة، ،
لكن سيطرة الحكومة والقيود المفروضة على الاعلام كانت بارزة بشكل كبير
حتى قيام ثورة 2011 ا
التي توسعت فيها حدود الحريات وهوامش التعبير
سامية: طبعا كان الاعلام عن طريق الشباب,.
من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تكونت جيوش
عبدالباري: كانت وسائل التواصل هي التي تحشد الناس, وتعبىء الرأي العام,
كانت الساحات والتحرك والاحتجاجات المدنية تتحرك بإشارة من وسائل التواصل الاجتماعي.
تعليق: تغير المشهد السياسي بعد ظهور أطراف صراع جديدة..
هذه الأطراف.. كانت تعي خطورة الصوت الإعلامي
ودوره في شرعنة وجودها على الأرض..
فانشطر الإعلام اليمني بدوره ليكون بين جهتين
المياحي: فيما مضى من الزمن, كان هناك صراعات, لكن لم يحدث من قبل أن كانت الصراعات بهذا الشكل الحاد, ولم يحدث, , ,
أن انقسمت النخبة الإعلامية بهذا الشكل,
حدث نوع من التناحرات كان هناك عرف
نوع من القيمة تغلف الصراعات,
كما يقال أخلاقيات الحرب, كان هناك اخلاقيات للمهنة
حتى في كل الانقسامات السياسية التي حدثت من قبل
, لم تحدث حالة الشيطنة والتخوين
لدرجة أن صحفي ممكن أن يشي( يبلغ عن) صحفي اخر.
عبدالباري( لاشك ان الحرب, الحرب دائما تريد أن تكون الرصاصة
بديلا للكلمة, أن يكون لا صوت يعلو فوق صوت المعركة,
وأن تكون القوة والغلبة هي الأساس,
بينما الصحافة وحرية الرأي والتعبير والحريات العامة والديموقراطية
تحتاج الى مناخ من الأمن
والسلام والاستقرار, وظروف طيبة طبيعية,
بحيث بالفعل يكون للكلمة التأثير الأول والمكانة والقيمة.
المياحي: السياسيون تمكنوا من تجيير الصحفيين لصالحهم,
بدل أن يقف الصحفي كعنصر ضابط للصراع
انخرط داخل هذه الموجة ووصلنا الى هذا الحال.
تعليق: بدأت سياسة الاستقطاب بعدها وبدأت منصات الطرفين
في محاولة بهرجة صورتها للرأي العام المحلي والدولي
ليركز كل طرف على الفظائع التي يرتكبها
خصمه متجاهلاً اخطاءه
أشرف: الاستقطاب السياسي له شقين, شق على, ,.
أن المجتمع فقد الثقة في وسائل الاعلام
المجتمع لأنها لا تعبر عنه بشكل جيد, لا تتبنى قضاياه, القضايا الاجتماعية غابت,
وإن تم تناول هذه القضايا, يتم تسييسها لصالح هذا الطرف او الأخر,
غاب التعامل المهني مع القضايا الاجتماعية
ومع قضايا المجتمع وأيضا القضايا الإنسانية
, كل هذه القضايا تم تسييسها والتعامل معها
بشكل يخدم طرف ضد اخر
الشق الأخر هي وسائل الاعلام نفسها
هذا الاستقطاب ضر التعددية السياسية وضربها في مقتل
عبدالباري: للأسف الشديد لا شك أن للاستقطاب السياسي
تأثير سلبي كبير وسيء,
لأن الناس يتوزعون على خانات الأحزاب
على خانات أطراف الصراع,
, يكون هذا على حساب الاستقلالية
فالكلمة الصادقة, الكلمة النظيفة, تحتاج الى استقلالية والى حرية تعبير,
الاستقطاب يحشد الناس باتجاهات سياسية متصادمة
, لكن الحرب تكون هي الأخطر,
نحن في ظل الحرب الان, الاعلام والكلمة
مشطرة وموزعة على القوى المتصارعة.
تعليق: وبالطبع.. أدى هذا الاستقطاب إلى اختفاء الأصوات المتعددة ،
وأصبح الصوت الإعلامي الواحد الموجه
هو الطاغي على المشهد الإعلامي منذ ذاك الوقت
سامية: الاعلام أصبح اعلام محدود وموجهه
وأصبح اعلام صوت واحد,
سواء في المناطق التي يحكمها جماعة “انصار الله”
أو في المناطق التي تحكمها الشرعية, الصوت الثالث غير موجود,
الصوت الذي ضد العدوان وضد التدخل
الخارجي من أي طرف في الشأن الداخلي
وكذلك ضد الفساد والصراع الداخلي
بين أبناء الوطن الواحد.
تعليق: باختفاء الصوت الثالث ولتعزيز الانقسام،
ظهرت بعض القنوات التي تحمل الاسم والشعار ذاته لتكون
قناتين مختلفتي الهوية كالايمان واليمن اليوم وعدن
ليصبح المواطن اليمني ضائعًا في هويته الوطنية
خاضعا لإعلام مسيس تائهًا بين شطرين
المياحي: هذا الاستنساخ هو صراع على المشروعية, ناتج عن الانقسام السياسي,
, كل طرف يريد أن يستجلب على المشروعية التي تحظى بها قناة “اليمن”
مثلا كقناة رسمية ممثلة للشعب منذ زمن
لديها تراكم في الصورة الذهنية لدى الناس
يريد أن يحتكر شرعية هذه القناة,
, الصورة الذهنية لها ويمرر رسالتها من خلاله,
فالصراع على الشرعية السياسية أنتج صراع على
الشرعية والهوية الإعلامية
هذا الذي جعل كل طرف يستنسخ وأنه متحدث باسم الشعب
وينشيء قناة بنفس الاسم القديم
الذي كانت تمثله السلطة السياسية والنظام القديم.
تعليق: استمر ظهور الكثير من القنوات الخاصة
التي يتبع كل منها توجه وسياسة الجهات الممولة
والتي بالطبع تحمل ثقافتين متضادتين تمامًا
عبدالباري: تظل كل هذه القنوات تصب مصب واحد,
سواء الحكومية الرسمية أو القنوات التابعة كلها تؤدي وظيفة واحدة
وهي خدمة أطراف الحرب وتغذية الصراع القائم في البلد.
المياحي: طبيعي جدا أن أي طرف يمؤل أي قناة يفرض عليها المحتوى,
, يفرض عليها المحتوى الذي يتناسب مع سياسته
الذي يريد التي يرغب بتمريرها مستقبلا,
يعمل على تهيئة ذهنية للشعب عن طريق خطاب اعلامي معين
حتى لو لم يكن هذا الخطاب الإعلامي هو الذي يحتاجه الناس أو ضمن اولوياتهم
صدر لهم (ابعث لهم) أي خطاب اصنع امزجة الناس( تفكيرهم)
اصنع اهتماماتهم وانشغالاتهم,
وبالتالي ستاتي وتمرر الرسالة التي تريد فيما بعد,
هدف الجهات الممولة هو تظليل الشعب
بهدف تمرير سياسات معينة.
تعليق: في ظل التغييب الإعلامي الذي تستخدمه وسائل الاعلام والاخبار المتضاربة ،
التي تتعاطى مع الاحداث بشكل دعائي
ليتسهل عليها التلاعب بالمعتقدات والأفكار
لم يعد المواطن قادرًا على التمييز بين الحق والباطل
ولم تعد لديه القدرة على اتخاذ قرارات سليمة ومستنيرة
لأنه أصبح مدركًا
ان الحقيقة دائمًا مختبئة خلف ما يُقال ويُعرض
أشرف: هذا الوضع أثر على الحقيقة
, تاهت الحقيقة في ظل هذا التناول المظلل والمستغل للمعلومات
والأحداث, كلا حسب ما يرى أن لمصلحته
فتأثرت الحقيقة وفقد الجمهور الثقة بوسائل الاعلام.
المياحي: المقدمة في أي طرف سياسي
في أنك تعمل على تمرير قضايا معينة, خطط معينة
انك في البداية تٌفقد الشعب تركيزه, تسحب اهتمامات الناس
, الى زوايا أخرى ليست مركزية ولا مهمة,
تصدير محتوى معين مجهز للجمهور بحيث يمكنك مستقبلا
أن تحشد المجتمع بالاتجاه الذي تريده.
اشرف: تكرار الشائعات, تكرار التعامل مع القضايا التي ينشرونها,
المجتمع يشعر بها لأنه يعايشها بشكل مستمر فعندما يراها في وسائل الاعلام بشكل مختلف عن الحقيقة التي هو جزء منها ويعايشها بشكل يومي.
تعليق: تحولت وسائل الإعلام الى منابر لتصدير موجات عدائية
وشحن طائفي ومذهبي وجبهات صراع
يحقق كل طرف فيها انتصاراته الميدانية
على حساب قضايا الناس الهامة
عبدالباري: عندما تتكلم المدافع يسكت الصوت, ,
لاشك أن قضايا وهموم المجتمع لا تغيب بشكل كامل
لكن يصبح الصوت الطاغي, الصوت الأعلى
الذي يستقطب كل الأصوات ويحجبها هو صوت الحرب والكلام عن الحرب.
المياحي: الحرب تلتهم كل شيء, التهمت كل المساحة,
ليس على مستوى الاعلام فقط, حتى على مستوى اهتمامات الناس
اخبار الموت والحرب والخراب والدمار
استحوذ على مساحة زمنية كبيرة للدرجة التي باتت فيها قضايا المجتمع على الهامش,
, , هذا رعب, رعب كبير أن كل القنوات الإعلامية مستنزفة
بالحرب في الموت والدمار والصراعات,
الجانب النهضوي والتنموي
, البرامج الخاصة بالأطفال, البرامج الخاصة بالشباب والنساء
مساحتها ضئيلة جدا,
هذه البرامج هي التي تصنع وعي الشعب.
نعليق: لن تُفتح أبواب الجنة الا بالدم
الذي يبذل في سبيل الوطن،
هذا ما يسعى الاعلام لنشره خلال هذه الفترة
لاستقطاب أكبر عدد من المجندين
الذين صوروا للناس كأبطال اسطوريين للحكايا القديمة
عبدالباري: الحرب التي قامت اسكتت كل الأصوات
لم يعد هناك سلطة تفرض الرقابة
لأن الحرب صادرت إرادة الناس
صادرت حرياتهم واحتكامهم الى الكلمة
والمنطق والعقل,
وأصبح الاحتشاد فقط في التوجه الى الجبهات والقتال
هذا الاقتتال في اليمن شمالا وجنوبا شرقا
وغربا هو الذي ألغى الحريات العامة والمدنية
بل هو يلغي الحياة ذاتها.
تعليق: بسبب الاضطرابات السياسية
التي أصبحت على أشدها بين الأطراف المتصارعة
ازدادت الرقابة على الاعلام وازداد عدد الانتهاكات
بشكل غير مسبوق خلال السنوات الخمس الأخيرة
ما بين إغلاق منشاءات واعتقالات واغتيالات وتهديد
الريفي: للأسف الشديد خلال سنوات الحرب هناك حوالي 1400 انتهاك,
طال الحريات الصحفية في اليمن, هو رقم كبير ومفجع,
فقد الاعلام حوالي 45 صحفي ومصور خلال هذه الفترة
, أيضا حالات الانتهاكات والاختطافات زادت عن 700 حالة انتهاك
ومازال هناك حتى اليوم اكثر من 13 صحفي معتقل
, 11 صحفي منهم منذ عام 2015 و 2016,
تعرضوا للتعذيب والاخفاء,
أيضا أوضاعهم الصحية متدهورة وأماكن الحجز سيئة
هذا الوضع الخطير من الطبيعي أنه ينعكس ويعبر عن حجم المأساة
التي يعيشها الاعلام اليمني
الذي تعرض لمجزرة كبيرة جدا,
كل أطراف الصراع وبنسب مختلفة ومتعددة
رفعت شارات العداء للصحافة والصحفيين في كل مناطق اليمن.
المياحي: اعتقد ان كل الوسائل القذرة استخدمت ضد الصحفيين,
استخدمت ضد الصحفيين من أجل تطويعهم واستمالتهم, واحيانا من اجل تغييبهم,
هناك عشرات بل مئات من الصحفيين في السجون
هناك صحفيين تعرضوا للقتل
القذرة هناك صحفيين تم اخفاءهم قسريا
لا أحد يعلم عنهم شيء
, الصحفيين نالهم
ما نال الشعب كفئة حاضرة في الميدان,
أيضا ما حدث من أسلوب انحطاط أخلاقي من قبل الأطراف السياسية
في التعامل مع هذه الفئة
فيما مضى من الزمن حتى السلطات السياسية القمعية
, كانت تهاب الصحفيين قليلا, اقصى ما يمكن فعله هو اعتقال يوم يومين ثم يفرج عنه, الان ممكن يقتحم بيتك, ممكن ان تتعرض اسرتك للتهديد أو عملية ابتزاز
اعتقد وصلنا الى حواف البشاعة في الانتهاكات
التي يتعرض لها الصحفيين
لم يعد هناك سقف اعلى ممكن أن يتعرض لها الصحفيين في المستقبل.
تعليق: أصبح الاعلام الحر في اليمن يتنقل بين دهاليز الصراع المعتمة
وأصبحت المواقع الالكترونية مهربًا لكل
من يريد إيصال صوته وإن كانت مرقبة هي الأخرى
المياحي: هناك نقطة مهمة, اعتقد أن ما أسهمت به وسائل التواصل
ليست فقط انها وفرت متنفسا للجيل الحديث
للتعبير عن اراءهم بالشكل الذي يريد,
أيضا هي اخترقت وسائل الاعلام التقليدية,
وصار الجمهور هو المنتج وصانع المحتوى.
عبدالباري: الذي يجعل الان وسائل التواصل الاجتماعي تحل محل الجميع
هو وجود الحرب التي تطغى وتسكت الجميع,
, فوسائل التواصل الاجتماعي الان هي المتنفس الوحيد
لكن هذا المتنفس في ظل ظروف طبيعية سيظل
لكنه يأخذ مساحته المحدودة التي يستطيع أن يؤثر بها.
تعليق : كل ما لدينا على هذه الأرض هو دعاية
ويمكن لكل جانب ان يدعمك فقط ان التزمت بدعايته
، فهل يمكن ان يخُلق من رحم واقع كهذا
إعلام مالك لقراره سيدًا على أرضه..
أما انه سيبقى مجرد إمعه تتحكم فيها أيادي الكبار؟!