الارتباك اللغوي مقدمة
تونس ، بلاد تقع علي ساحل البحر الأبيض المتوسط ، عانت من التبعية بسبب تأثير الاحتلال الفرنسي عبر القرنين ال 19 وال20 . في 1869 ، أفلست الدولة التونسية فتمكنت فرنسا ، من خلال تسوية مالية ، من بسط سيطرتها علي دول شمال إفريقيا لأول مرة. ثم بعد 12 عاما اتخذتها ذريعة لغزو تونس وفرض السيطرة عليها. وبعد توقيع معاهدة بردو وكذك معاهدة لامارسا في 1881 ، فقدت تونس سيادتها وأصبحت مستعمرة فرنسية. في بداية القرن العشرين بدأ الشعور ضد سلطة الاحتلال في الظهور بين الشعب ، وتم تشكيل أولي منظمات ومجموعات المقاومة. إحداها حزب الدستور الجديد ، تحت قيادة حبيب بورقيبة. ومن ثم انطلق مع مجموعته لسنوات مطالبا باستقلال تونس ، برغم المعارضة الشديدة لهذه الحركة. عقب اضطرابات ضخمة ، وحركات ارهابية وتدخل من الجيش الفرنسي لقمع حركة الاستقلال ، حصلت تونس أخيرا علي السيادة الكاملة في 20 مارس 1954 وأصبحت جمهورية ، برياسة حبيب بورقيبة كأول رئيس لها . أما ما تبقي من تاريخ الاحتلال الفرنسي حتي اليوم فهو ثنائية اللغة بجانب أشياء أخري . رغم أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية ، فما زال الحديث باللغة الفرنسية منتشرا علي نطاق واسع في تونس. خاصة أن بعض محطات الإذاعة والتليفزيون مثل التليفزيون التونسي 1 وراديو قناة تونس الدولية ما زالوا يبثون باللغة الفرنسية. وقد تحدثنا بهذا الخصوص مع سعيدة زواري .
مقابلة مع السيدة سعيدة زواري مدرسة لغة فرنسية من تونس
هل تعتقدين أن ثنائية اللغة في نطاق الإعلام التونسي تعزز التعددية وحرية التعبير ؟ ما هي مزايا نظام الإعلام الثنائي اللغة؟ إن إمكانية أن يعبر الشخص عن نفسه بأكثر من لغة تعزز التعددية بالضرورة. إن مجالا إعلاميا ثنائي اللغة يساهم في سهولة وثراء التواصل . فهو يسمح لك بأن تتنقل بسهولة بين لغة وأخري حسب المحتوي والموضوعات ، والسياق وبطبيعة الحال الجمهور المستهدف. 2)”هل نستطيع التمييز بين مستخدمي الإعلام الناطق بالفرنسية ومستخدمي الناطق باللغة العربية في تونس ؟ وفي هذه الحالة ما هي الفروق بين المجموعتين ؟” نستطيع أن نميز نوعين من المستخدمين : 1.أشخاص يعتبرون من كبار السن (في سن أكبر من 50 عاما ) وهم من استفادوا من مدرسة بورقيبة ، التي ، وإن لم تكن المدرسة المتحدثة بالفرنسية ، إلا أنها كانت تولي اهتماما خاصا باللغة الفرنسية. هؤلاء الأشخاص قد اعتادوا اللغة الفرنسية وووسائل الإعلام المتحدثة بها بشكل عملي جدا. ويمكن أن نجد في هذه المجموعة أشخاصا يتابعون وسائل الإعلام المتحدثة بالعربية أيضا بنفس السهولة. 2.لدينا قطاع محدد من متابعي وسائل الإعلام المتحدثة بالعربية ، التي بدأت في الظهور في سبعينيات القرن الماضي ، مع تعريب التعليم . هذا التعريب تم تنفيذه في بعض البرامج. ما أدي أيضا إلي تقليص مستوي ممارسة اللغة الفرنسية : وبالتالي فإن هؤلاء المتابعون الشباب لوسائل الإعلام المتحدثة باللغة العربية حاليا في الثلاثين من العمر. 3)” هل تظنين أن المعلومات يتم التعامل معها بشكل مختلف اعتمادا علي اللغة المستخدمة من قبل الصحفي ؟” بالطبع إنها وظيفة المتحدث : حين يكون المتحدث فرنسي الثقافة فسوف تؤثر بالطبع علي منطقه وتفكيره وحتي علي محتوى تقريره. نفس الشيء يحدث مع المتحدث باللغة العربية. إن أدوات اللغة وكذلك التركيبات اللغوية يجب ألا تؤثر في المحتوى بصفة عامة لكنها بشكل أو بآخر تؤثربالفعل….. فعلي سبيل المثال في فرانس 24 لا يتم التعامل مع المعلومات نفسها ، بالعربية والفرنسية ، بنفس الطريقة . 4)”مع تراجع تعليم اللغة الفرنسية في تونس هل يمكن تخيل احتمال اختفاء اللغة الفرنسية من المجال الإعلامي التونسي؟ أفضل ألا أتحدث عن تراجع التعليم بل عن ضعف في المستوي ، خاصة في الأساليب المتبعة. أساليب التعليم التي نجحت مع كبار السن عفا عليها الزمن . يمكن الاستفادة من دعم استراتيجيات التعليم . من الصعب تخيل اختفاء اللغة الفرنسية من مجال الإعلام التونسي ، لكننا لو فعلنا ذلك (تخيل)، فلن يكون بسبب أو لمصلحة وسائل الإعلام المتحدثة بالعربية ولكنها لمصلحة الإعلام المتحدث بالإنجليزية .
الختام
كما نري ، إن الوضع اللغوي في تونس (سواء في وسائل الإعلام الجماهيرية أو بصفة عامة) أبعد ما يكون عن التجانس. إن تعقيد ثنائية اللغة الفرنسية-العربية مصحوبا باللغة الإنجليزية ، التي تخترق كل مجالات الحياة ، طاردة اللغة الفرنسية جزئيا. وفي نفس الوقت يتم التركيز علي اللغة العربية علي مدار الأربعين عاما الماضية. إلا أن هذه العوامل لاتؤدي بالضرورة لتراجع اللغة الفرنسية . هناك نقطة مثيرة للاهتمام في حقيقة الأمر أن المعلومات في الإعلام الجماهيري يتم التعامل معها بشكل مختلف تبعا للغة ، لكن يتضح أنها أقرب ما تكون مسألة معرفية-لغوية وليست مسألة سياسية. وفي الختام ، ففي الوقت الذى نشاهد فيه بعض االاتجاهات اللغوية حاليا في المجتمع التونسي ، إلا أننا أبعد ما نكون عن التكهن بقدر أكبر من الثقة بمدى التطور القادم.